مِنْ أَسْمَاءِ وَأَوْصَافِ رَمَضَانَ
التاريخ : 2016/06/17
(عدد المشاهدات8668 )
( تحميل3467 مرة )
تأمّلات في أسماء وأوصاف شهر رمضان
إنّ الحمد لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ نبيّنا محمّداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عِمْرَان:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النِّسَاء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الْأَحْزَاب:٧٠-٧١].
ألا وإنّ أصدق الكلام كلام الله جلّ وعلا، وخير الهدي هدي نبيّنا محمّد صلوات الله وسلامه عليه، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالةٍ في النّار، ثمَّ أما بعد:
فيا ـ أيّها المؤمنون ـ : إنّ شهر رمضان هوشهر البرّ وموسم الخير وميدان التنافس ومرتعٌ للأعمال الصالحة، ففي أيّامه ولياليه تتنزّل الرّحمات وتكثر النفحات وتتوالى البركات، ورمضان ـ عباد الله ـ هوالشهر التاسع من الشهور القمرية
مأخوذٌ من: الرّمض -أي : اشتقاقه من كلمة الرّمض-، وهي في اللغة العربية شدّة الحرّ؛ قيل: لأنه يرمُضُ الذّنوب أي يحرقها، وقيل أنّه صادف تسمية الشّهور بأسمائها أنّه كان في وقت الحرّ والرّمضاء فسُمّي بشهر رمضان، وهذا أقرب لأنّ التسمية كانت قبل الإسلام، ولحكمةٍ ما جعل الله تعالى شهر رمضان شهرًا قمريا لا شمسيا ليكون ربيعا للنفوس، متنقّلاً على الفصول، يُروّض النفوس على الاعتدال في الشدّة وعلى الشّدة في الاعتدال، وإذا كان شهر رمضان نفحةً إلهية تهبُّ على العالم الأرضي في كلّ عامٍ قمري مضى وصفحة سماوية تتجلّى لأهل الأرض فتَجْلولهم من صفات الله عزوجل عطفَه وبرّه،
ومن لطائف الإسلام حكمَتَه وسرّه، فلننظر ـ عباد الله ـ أين حظّنا من تلك النفحة، وأين مكاننا من تلك الصّفحة.
شهر رمضان ـ أيها المؤمنون ـ لا يُشبهه شهرٌ من الشّهور، وأوقاته لا يُضاهيها ولا يُدانيها وقتٌ عبر العصور، ولهذا كثُرت أسماؤه وتعدّدت أوصافه، والعلماء يقولون: إنّ الشيء إذا كثُرت أسماؤه وتعدّدت أوصافه دلّ على عِظَم قدره وجليل منفعته وأثره، فسُمّي شهر رمضان ووُصِف بأنّه شهر الصيام وبأنّه شهر القرآن، وبأنّه شهر الصبر وبأنّه شهر الذكر، وبأنّه شهر التوبة، وبأنّه شهر المغفرة، وبأنّه شهر القوة والنصر، وبأنّه شهر الفرح، وبأنّه شهر الجود والسّخاء، وبأنّه شهر الإحسان والمواساة، وأنّه شهر الدعاء، وأنّه شهر الدعوة، وأنّه شهر المراقبة، وأنّه شهر العفّة، وما إلى ذلك من الأسماء والأوصاف التي نبّه إليها علماء هذه الأمّة المرحومة، وفي هذه الوقفة عرضٌ لبعض هذه الأسماء والأوصاف وتوضيحٌ لمعانيها وكشفٌ لأسرارِها ليُدرِك الفرد الصائم والمسلم بركات هذا الشهر المبارك، فيُبادر إلى اكتساب حظٍّ من حظوظها ولِما لا يكون له سهمٌ في جميع هذه الحظوظ، ومن أبرز صفات ونعوت هذا الشهر:
* أنّه شهر الصّيام، شهر رمضان هوشهر الصّيام لأنّ الله تبارك وتعالى فرض فيه الصّوم على المسلمين، والصّوم هوالإمساك عن الطّعام والشّراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس بنية التّعبد لله عزّ وجلّ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] والمعنى فمن حضَر منكم الشّهر أي كان حاضرا فليَصمه، وكان يكفي في الحثّ على الصّوم والأمر به والدعوة إليه أن يُقال للمسلم إنّ الله عزوجل أمرك بالصيّام وكفى دون ذكرٍ لفوائد الصيّام ومنافعه وأحكامه وآثاره وأسراره، ذلك أنّ الصوّم تشريعٌ ربّاني إلهي صادرٌ عن الرّب جلّ وعلا بمقتضى ربوبيّته وألوهيته جلّ وعلا.
فله سبحانه وتعالى أن يُكلّف عباده بما شاء وعليهم طاعة أمره واجتناب نهيه، ولكنّه عزّ وجلّت حكمته حين فرض الصيّام علينا ذكر لنا حكمته وفائدتَه الجامعة بكلمةٍ واحدة في كلامه المُعْجِز فقال : ﱡﭐ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﱠ [البقرة: ١٨٣] ، والتّقوى ـ عباد الله ـ هي الحكمة الشرعية التعبدية الجامعة في تشريع الصيام، حتّى إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمّا ذكّر أُمّته ببعض آداب الصّائم فقال :»إنّما الصوم جُنَّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط ولا يجهل»([1]) فتأمّلوا هذا الحديث ـ عباد الله ـ قدّم فيه النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من الصيام بقوله : «الصيام جُنّة» أي : وقاية من المأثم، ثمّ ذكر بعد ذلك آداب الصيام ليكون ذلك أوقع في النّفس وأعمق أثرا، وحِكَم الصوم ومنافعه وفوائده وأسراره كثيرةٌ وكثيرةٌ جدا، وهي تظهر للمُتأمّلين المتعمّقين في التفكر والتدبر والموّفقين في الاستنباط والاستجلاء كما تخفى على آخرين وهم السواد الأعظم فلا يرون من الصيام إلّا صورته الظاهرة.
وكلّ عبادة في الإسلام ـ عباد الله ـ تُؤَدّى على الوجه المشروع لابدّ وأن تترك آثارها في نفس صاحبها، وتختلف باختلاف العابدين في صدق التّوجه، واستجماع الخواطر، واستحضار علاقة المعبود، فلهذا سُمّي بشهر الصيّام.
* وسُمّي رمضان بـشهر الصّبر لأنّ فيه تعويدا على الصبر وتمرينا عليه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه سمّى شهر رمضان بشهر الصبر، وسبب تسميته بذلك أولعلّ السبب في تسميته بذلك أنّ الصبر كما قال العلماء ثلاثة أنواع :
1) صبرٌ على طاعة الله.
2) صبرٌ عن محارم الله.
3) صبرٌ على أقدار الله المؤلمة.
وتجتمع هذه الثلاثة كلّها في رمضان وعند الصائم، فإنّ فيه صبرًا على طاعة الله، وصبراً عمّا حرّم الله عزوجل على الصائم من الشهوات، وصبراً على ما يحصل له من ألم الجوع والعطش وضعف النّفس والبدن، وهذا الألم الناشئ من هذه الطاعات التي يتقرّب بها إلى الله عزوجل في نهار رمضان يُثاب عليها صاحبها كما قال عزوجل في وصف المجاهدين : ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: ١٢٠].
فرمضان ـ أيّها الإخوة ـ يعلّمنا الصبر ويُربّينا على خُلِق الصّبر، يكفي في ذلك أنّ الصائم يدع الطّعام والشّراب والشهوة التي أُبِيحت له في غير ذلك الوقت ليُعوّد فطم نفسه عن غيّها وشهواتها، ومن كان متحكما في شهوة بطنه وفرجه كان لغير ذلك أَمْلَك.
* ومن الأسماء التي أُطلِقت على شهر رمضان أنّه شهر الفرح، سُمّي بشهر الفرح لأنّ فيه الفرح بفضل الله عزوجل ورحمته، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨].
ومن أعلى مقامات العارفين وأرفع سمات السائرين الفرح بالله وبرسوله وبالقرآن وبالإيمان وبالسنّة وبالعلم ؛ وللصّائمين من هذا نصيبٌ غير منقوص، يقول النّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المُخرّج في الصّحيحين: «وللصائم فرحتان فرحةٌ عند فِطرِه وفرحةٌ عند لِقاء ربّه»)[2](، فأمّا فرحة الصائم عند فِطرِه فإنّ النفوس مجبولة على النيل مما يُلائمها من مطعمٍ ومشربٍ أومنكحٍ، فإذا مُنِعت منه في وقتٍ من الأوقات ثمّ أبِيح لها ذلك في وقتٍ آخر فرِحت بإباحة ما مُنِعت منه خصوصاً عند اشتداد النّفوس إلى ذلك فتفرح النفوس طبعا بذلك، وإذا كان ذلك محبوبا لله تبارك وتعالى كان محبوباً شرعا.
وإذا كان الصائم ـ عباد الله ـ في نهار رمضان يمتنع عن نيل هذه الشهوات فإنّ الله عزوجل بعد ذلك يُبيح له في اللّيل أن يتناولها، فالصائم لا يتركها إلّا بأمر الله عزوجل ولا يعود إليها إلّا بأمر الله تبارك وتعالى ؛ بل إنّ الله تبارك وتعالى يفرح بعبده حين يُبادر إلى تناول هذه المُفطرات التي حرّمها عليه في نهار رمضان في أوّل اللّيل وآخره، فأحبّ النّاس إلى الله تعالى أعجلهم فِطرا، والله عزوجل وملائكته يُصلّون على المتسحرين.
فالصائم في الحالتين مطيع لله عزوجل في صيامه وعند فِطره ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان فرحة عند فِطره»([3])، وممّا يؤكّد فرحة الصائم عند فِطرِه استجابة الدّعاء ولقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ للصائم في رمضان دعوةٌ مستجابة ٌ لا تُردّ، ثمّ إذا تناول الطّعام والشراب بنيّة تقوية البدن على الصيّام والقيام كان مُثابا أيضا على ذلك، فإذا كان فِطره على هذا الوجه المُشار إليه فإنّه لا محالة يدخل في الفرح بفضل الله تبارك وتعالى ورحمته.
وأمّا فرح الصائم بلقاء ربّه فهوممّا يجده من ثواب الله عزوجل مُدخّراً عنده يوم القيامة، يجده وهوأحوج ما كان إليه وهومعنى قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المزمل: ٢٠] ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٣٠] ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ – ٨]، هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد بيانٍ فارتقبوه بعد حين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه من كلّ ذنبٍ يغفر لكم وهوالغفور الرّحيم.
الحمد لله الذي هدانا إلى لإسلام، وأكرمنا بأن كتب علينا فريضة الصيام، ثمّ الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه السّادات الكِرام جمعنا الله تعالى بهم في جنّات عدنٍ في دار السلام.
* ومن أسماء شهر رمضان تسميته بشهر القرآن لأنّ الله عزوجل أنزل فيه القرآن، والقرآن هوكلام الله الحكيم، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، هوآخر الكتب السماوية وأقومها وأعدلها وأشملها وخاتمها، فيه نبأُ السّابقين وخبر اللاّحقين، فيه الحُكم والحِكَم والأحكام، يقول الله عزوجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: ١٨٥] فقوله جلّ وعلا في هذه الآية ﴿أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ يحتمل ثلاثة معانٍ يتبيّن من خلالها ميزة إنزال القرآن في رمضان :
أحدها : أن يكون المُراد بإنزال القرآن من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدنيا في رمضان وهذا قول ابن عباسٍ رضي الله عنه.
القول الثاني : أن يكون المُراد أنّ ابتداء نزول القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان في رمضان.
والثالث : أن يكون المراد أنّ القرآن أُنزِل في مدح رمضان والثناء عليه والتّنويه بشأنه.
فما أحرانا ـ عباد الله ـ ونحن في شهر القرآن وفي شهر رمضان أن نُجَدّد العهد بكتاب الله، وأنّ نُكثِر من تلاوته وقراءته وسماعه وتدبّره وعقله والتخلق بأخلاقه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأن يكون ذلك دأباً لنا في بقية أعمارنا لِنَنَال به الفلاح والسعادة فقد قال الله عزوجل: ﴿طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) ﴾ [طه: ١ – ٣]، وقد سبق ذكر خطبةٍ في ذات الموضوع في الجمعة المنصرمة فلا أُكَرّر ما قلته.
* ومن أسماء شهر رمضان ـ أيها المؤمنون ـ أنّه سُمّي بشهر الجود وبشهر السّخاء والكَرم حين تتقرّب النفوس في هذا الشهر إلى مولاها، تحِنُّ الأكباد الجائعة وتَرِقُّ قلوب الناس فيتّجهون إلى الفقراء، تنبعث النّفوس إلى ما يُزكّيها، ويرفعها عن السفاسِف ويُطهّرها من رذيلة الشح والبخل ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩]، ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيُدارِسه القرآن فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة».
فالصدقة عباد الله مدعاةٌ لزيادة المال وحلول البركات ونزول الخيرات وسبب من أسباب الاستظلال في ظلّ عرش الرحمن يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، كما أنّ للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء وهي تقي مصارع السوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول العلّامة ابن القيّم رحمه الله: «إنّ في الصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولوصدرت من فاجر وظالمٍ بل من كافرٍ» وهذا قولٌ معلومٌ عند الناس وأهل الأرض يُقرّون بذلك، وقال رحمه الله في موضعٍ آخر : «كلّما تصدّق المُتصدّق بصدقة ـ وهذا أمرٌ مشهود ويُحِسّ به الناس ـ انشرح لها قلبه وانفسح لها صدره وقَوِي فرحه وعَظُم سروره»، قال رحمه الله: «ولولم يكن من فوائد الصدقة إلّا هذا لكان حقيقًا بالعبد الاستكثار منها والمبادرة إليها».
ومن الأسماء التي سُمّي بها شهر رمضان ؛ سُمّي بشهر الدّعاء، والدعاء ـ عباد الله ـ كما تعلمون عبادة كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم؛ شأنه عظيم ونفعه عميم ومرتبته عالية في الدين فما استُجلِبت النعم إلّا بمثله، وما استُتْبعت النقم إلّا بمثله، وذلك لأنّه متضمنٌ لتوحيد الله عزوجل وعبادته وترك عبادة ما سواه، وهذا كما لا يخفى هورأس الأمر بل أصل الدين، وفي رمضان فرصة سانحة للصائمين حيث يتقرّب من وفّقه الله سبحانه وتعالى إلى الله عزوجل بسائر القربات والطاعات وعلى رأسها الدعاء، ذلكم أنّ مواطن الدعاء ومظان الاستجابة تكثر في رمضان فهي أكثر منها في غير رمضان، ولحكمةٍ ما نجد أنّ الله عزوجل ختم آيات الصيام بالحث على دعاء، فلمّا قال : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: ١٨٥] حتى قال : ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴾ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾ [البقرة: ١٨٥ – ١٨٦]، ثمّ رجع ليذكُر بعض أحكام الصيام، فهذه حكمة ذكر الدّعاء في آيات الصيام ليرغب الناس في دعائهم لله سبحانه وتعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعواتٍ لا تُرَد ومنها : دعوة الصائم»، وقال : «للصائم عند فِطرِه دعوةٌ لا تُردّ»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنّ لكل مسلمٍ في كلّ يومٍ وليلة ـ يعني من رمضان ـ دعوةٌ مستجابة».
وما دمنا في شهر الدعاء فلنبتهل ولنرغب إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، ندعولأنفسنا ولأهالينا ولوالدينا ولمشايخنا ولأوطاننا ولأهل الإسلام الذين يعيشون في هذه الأيام تحت قهر الأعداء يَسُومونهم سوء العذاب يذبّحون أبناءهم ويستحيّون نساءهم ويُزيغونهم في عُقرِ ديارهم من هذا الإجرام المتطاول على مشهد من العالم حيث تُقصف غزّة وتلك الأمكنة الطاهرة في فلسطين في شهر رمضان، ونحن ليس لنا إلّا أن نلجأ إلى الله تبارك وتعالى وبأكفّ الضراعة نسأل الله تبارك وتعالى أن يُزيل عنهم هذا العدوان الغاشم وأن يُلحق بأعدائه اليهود شرّ الهزائم وأن يجعل تدبيرهم تدميرا ؛ آمين.
* ومن الأسماء التي أُطلِقت على شهر رمضان وبه نختم، وهذا لا يعرفه كثيرٌ من الناس ؛ بعض أهل العلم يُسمّي شهر رمضان بشهر الدعوة ؛ بشهر الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، والمؤمن يدعوإلى الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان، الدعوة إلى الله طاعةٌ لله وإرضاءٌ له وسلامةٌ من وعيده، الدعوة إلى الله فيها إعزازٌ لدين الله ؛ فيها اقتداءٌ بأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام ؛ فيها إغاظة لأعدائه من شياطين الجنّ والإنس وإنقاذٌ لضحايا الجهل والتقليد الأعمى.
فيا فوز من انتدب لدعوة الناس بأي طريقةٍ وأي وسيلةٍ شرعيةٍ، سواءٌ كانت دعوة النّاس بالقول أوبالفعل أوبالإحسان أوبالسلوك المرضي لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣]، وفي شهر رمضان تتنوّع وسائل الدّعوة إلى الله، ترقُّ فيه القلوب، تهفوالنفوس به إلى الخير، تستجيب لداعي الله تبارك وتعالى، والمساجد مكتظةٌ بالمصلّين، فلِما لا نُسارِع إلى اغتنام هذه الوسائل في دعوة الناس إلى هذا الدين وإلى محاسن هذا الدّين بالموعظة تارةً وبالهديّة تارةً، وبالإحسان تارة وبالتوجيه المباشر تارة، وبطبع الكتب والرسائل التي يكون حديثها عن الصيام والقيام وفضائلهما وتوزيعهم بين الناس.
فما أحرانا ـ عباد الله ـ أن نغتنم فرصة هذا الشهر الكريم، وأن نتسابق إلى ميدان أعماله وهي كثيرةٌ ورحبة بحمد الله عزوجل وفضله، فنتعاون جميعا في نصح الغافلين، وتعليم الجاهلين و تذكير النّاسين، فشهر رمضان والله إنّه حقٌ سيد الشهور ومدرسة الأجيال وميدانٌ للمسارعة واستباق الخيرات، وما زال المسلمون في كل عصرٍ ومِصرٍ ينهلون من نعيمه العذب، ويُفيدون من دروسه النافعة، وينالون من بركاته المتنوعة.
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يُعيد علينا رمضان أعواما مديدة وأن لا يحرمنا من الخير فيه، وأن يجعلنا في عباده العتقاء من النّار، وأن يوفقنا لصيامه وقيامه كما أمر على الوجه المشروع إيمانا واحتسابا.
كما نسأل الله تبارك وتعالى أن يوَفّق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى استعادة أنفاسهم وذلك بالرجوع إلى دين الله عزوجل والتوبة إليه والاستغفار من ذنوبهم.
كما نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ ديار المسلمين وأن يحفظ المسلمين في كل مكان الذين يتعرّضون لعدوان الظالمين وكيد الكائدين فإنّه سبحانه وتعالى يتولّى الصالحين، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقائه إنّه سبحانه وتعالى على كلّ شيء قدير وبالإجابة جدير، والصلاة والسلام على النبي البشير وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
([1]) رواه البخاري في كتاب الصوم – باب هل يقول: إني صائم إذا شُتم (1805) (ج 2/ ص 673) من حديث أبي هريرة.
) [2]( أخرجه الإمام مسلم والإمام أحمد من حديث أبي هريرة.
([3]) سبق تخريجه.
يُبث في الإذاعة
جديد الموقع
تابعنا على الفايس بوك
موعظة الأسبوع
قالَ الإمامُ ابنُ حزمٍ -رحمه الله- : «إذا حضرت مجْلِس علمٍ فَلا يكن حضورك إِلاّ حُضُور مستزيدٍ علمًا وَأَجرًا، لا حُضُور مستغنٍ بِمَا عنْدك طَالبًا عَثْرَة تشيعها أَو غَرِيبَةً تشنِّعها، فَهَذِهِ أَفعَال الأرذال الَّذين لا يفلحون فِي الْعلم أبد
اقرأ المزيدمؤلفات الشّيخ
الأكثر مشاهدة
زوّار الموقع
مواقع مفيدة :